فصل: بَاب (فَسْخِ الْإِجَارَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَاب (فَسْخِ الْإِجَارَةِ):

وَجْهُ التَّأْخِيرِ عَمَّا قَبْلَهُ ظَاهِرٌ إذَا الْفَسْخُ يَعْقُبُ الْعَقْدَ لَا مَحَالَةَ (تُفْسَخُ) الْإِجَارَةُ (بِعَيْبٍ فَوَّتَ) صِفَةِ عَيْبٍ (النَّفْعَ كَخَرَابِ الدَّارِ وَانْقِطَاعِ مَاءِ الْأَرْضِ أَوْ) مَاءِ (الرَّحَى)، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يُفَوِّتُ النَّفْعَ فَيَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا فَأَشْبَهَ الْإِبَاقَ فِي الْعَبْدِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْآجِرَ لَوْ بَنَاهَا أَيْ بَعْدَ الْخَرَابِ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ وَلَا لِلْآجِرِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ لَكِنَّهُ أَيْ الْعَقْدَ يُفْسَخُ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَى، وَالْبَيْتُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
وَفِي التَّبْيِينِ: فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ لَزِمَتْهُ حِصَّتُهُ.
وَفِي الْوَلْوَالِجِيِّ: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَزَرَعَهَا، وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لِيَسْقِيَهَا فَهَلَكُ الزَّرْعُ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا بِشِرْبِهَا أَوْ بِغَيْرِ شِرْبِهَا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ سَقَطَ عَنْهُ الْأَجْرُ لِفَوَاتِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي: إنْ انْقَطَعَ مَاءُ الزَّرْعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرْجَى فَلَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ انْقَطَعَ قَلِيلًا قَلِيلًا وَيُرْجَى مِنْهُ السَّقْيُ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَلَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَاءُ لَكِنْ سَالَ الْمَاءُ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَتَهَيَّأَ بِهِ الزِّرَاعَةُ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَانْقَطَعَ الْمَاءُ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تُسْقَى مِنْ مَاءِ الْأَنْهَارِ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِمَاءِ السَّمَاءِ فَانْقَطَعَ الْمَطَرُ (أَوْ أَخَلَّ) عَطْفٌ عَلَى فَوَّتَ (بِهِ) أَيْ بِالنَّفْعِ يَعْنِي الْعَيْبَ لَا يُفَوِّتُ النَّفْعَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يُخِلُّ بِهِ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ (كَمَرَضِ الْعَبْدِ وَدَبَرِ الدَّابَّةِ) الدَّبَرَةُ وَاحِدَةُ الدَّبَرِ بِالْفَتْحِ جِرَاحَةٌ تَحْدُثُ فِي ظَهْرِهَا مِنْ ثِقَلِ الرَّجُلِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِهِ أَيْضًا.
وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ: وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ وَلَا إلَى الرِّضَى فِي الْفَسْخِ بِعَيْبٍ لِفَوَاتِ النَّفْعِ بِتَمَامِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَى بِالْعَيْبِ الَّذِي يُخِلُّ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِفَوَاتِ النَّفْعِ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ (فَلَوْ انْتَفَعَ) الْمُسْتَأْجِرُ (بِهِ) أَيْ بِالْمُسْتَأْجَرِ (مَعِيبًا) وَرَضِيَ بِالْعَيْبِ (أَوْ أَزَالَ الْمُؤَجِّرُ عَيْبَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ) أَيْ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ لِحُصُولِ الرِّضَى، وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُهُ كَامِلًا.
وَفِي الْمِنَحِ: وَعِمَارَةُ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرِ وَتَطْيِينُهَا وَإِصْلَاحُ الْمِيزَابِ وَمَا كَانَ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُهَا كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرَهَا، وَهِيَ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَآهَا لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ، وَإِصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ، وَالْبَالُوعَةِ، وَالْمَخْرَجِ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ بِلَا جَبْرٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ، فَإِنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ مِنْ إصْلَاحِ الْمُسْتَأْجَرِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَكَذَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَالرُّؤْيَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَتُفْسَخُ) الْإِجَارَةُ (بِالْعُذْرِ) عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ النَّفْعُ وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُوضٍ فَيَكُونُ الْعُذْرُ فِيهَا كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْإِجَارَةِ وَاقِعٌ عَلَى الْأَعْيَانِ لِكَوْنِ الْمَنَافِعِ بِمَنْزِلَتِهَا عِنْدَهُ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ فَلَا تُفْسَخُ بِالْعُذْرِ بَلْ تُفْسَخُ بِالْعَيْبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ (وَهُوَ) أَيْ الْعُذْرُ (الْعَجْزُ عَنْ الْمُضِيِّ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ بِهِ) أَيْ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ (كَقَلْعِ سِنٍّ سَكَنَ وَجَعُهُ) أَيْ السِّنِّ (بَعْدَمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ) أَيْ لِقَلْعِ السِّنِّ، فَإِنَّ الْعَقْدَ إنْ بَقِيَ لَزِمَ قَلْعُ سِنٍّ صُحِّحَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ (وَطَبْخٍ لِوَلِيمَةٍ مَاتَتْ عَرُوسُهَا بَعْدَ الِاسْتِئْجَارِ لِلطَّبْخِ لَهَا) أَيْ لِوَلِيمَتِهَا (أَوْ) طَبْخٍ لِوَلِيمَةٍ (اخْتَلَعَتْ) عَرُوسُهَا بَعْدَ الِاسْتِئْجَارِ لِلطَّبْخِ لَهَا، فَإِنَّ الْعَقْدَ إنْ بَقِيَ تَضَرَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِإِتْلَافِ مَالِهِ فِي غَيْرِ الْوَلِيمَةِ (وَكَذَا) تُفْسَخُ (لَوْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِيَتَّجِرَ) فِيهِ (فَذَهَبَ مَالُهُ) أَيْ مَالُ الْمُسْتَأْجِرِ وَأَفْلَسَ (أَوْ آجَرَ شَيْئًا فَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُؤَجِّرَ (دَيْنٌ لَا يَجِدُ قَضَاءَهُ) أَيْ قَضَاءَ دَيْنِهِ (إلَّا مِنْ ثَمَنِ مَا آجَرَهُ) مِنْ دَارٍ أَوْ دُكَّانٍ (وَلَوْ) وَصَلْيَةٌ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِ الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ يَلْزَمُهُ الْحَبْسُ لِأَجْلِهِ حَيْثُ لَا يُقَدِّرُ مَالًا سِوَاهُ وَهُوَ ضَرَرٌ زَائِدٌ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِالْعَقْدِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ لَا تُفْسَخُ.
(أَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فِي الْمِصْرِ أَوْ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا تَقْيِيدٍ بِالْمِصْرِ (فَسَافَرَ) الْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْخِدْمَةُ الْمُطْلَقَةُ فَضْلًا عَنْ الْمُقَيَّدَةِ بِالْمِصْرِ، وَفِي مَنْعِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ السَّفَرِ ضَرَرٌ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا لَكَانَ أَخْصَرَ وَشَمَلَ لِلْمِصْرِ وَغَيْرِهِ تَدَبَّرْ (أَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِلسَّفَرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ مِنْهُ) أَيْ ظَهَرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَا يُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ السَّفَرِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ قَصْدِهِ سَفَرَ الْحَجِّ فَذَهَبَ وَقْتُهُ أَوْ طَلَبَ غَرِيمٍ لَهُ فَحَضَرَ أَوْ التِّجَارَةَ فَافْتَقَرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ لَزِمَهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ.
(وَلَوْ بَدَا لِلْمُكَارِي مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ مَا يُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ السَّفَرِ (فَلَيْسَ بِعُذْرٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْقِدَ وَيَبْعَثَ تِلْمِيذًا أَوْ أَجِيرًا.
(وَلَوْ مَرِضَ) الْمُكَارِي (فَهُوَ عُذْرٌ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُشْفِقُ عَلَى دَابَّتِهِ مِثْلَهُ وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْرَضْ (دُونَ رِوَايَةِ الْأَصْلِ) لِمَا ذَكَرْنَا.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْفَتْوَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَلِهَذَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فَقَدَّمَهَا.
(وَلَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطٌ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ) لَا لِغَيْرِهِ (عَبْدًا يَخِيطُ لَهُ) أَيْ لِلْخَيَّاطِ (فَأَفْلَسَ) الْخَيَّاطُ (فَهُوَ عُذْرٌ)؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ رَأْسُ مَالِهِ (بِخِلَافِ خَيَّاطٍ يَخِيطُ بِالْأَجْرِ)، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِ الْخَيْطُ، وَالْمِخْيَطُ، وَالْمِقْرَاضُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ فِيهِ (وَبِخِلَافِ تَرْكِهِ) أَيْ الْخَيَّاطِ (الْخِيَاطَةَ لِيَعْمَلَ فِي الصَّرْفِ) حَيْثُ لَا يَكُونُ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْقِدَ الْغُلَامَ لِلْخِيَاطَةِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الدُّكَّانِ وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الصَّرْفِ فِي نَاحِيَةٍ (وَبِخِلَافِ بَيْعِ مَا آجَرَهُ)، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ لِلْفَسْخِ بِدُونِ لُحُوقِ دَيْنٍ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا يَسْتَوْفِيهَا وَالْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ.
وَقَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ: وَهَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ فِي الْكِفَايَةِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَدْرِ الشَّهِيدِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ تَنْتَقِضُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي.
وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْأَمْرَ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا انْفَسَخَتْ وَإِلَّا يَفْسَخُهَا الْحَاكِمُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ.
(وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِيَعْمَلَ الْخِيَاطَةَ فَتَرَكَهُ) أَيْ عَمَلَ الْخِيَاطَةِ (لِعَمَلٍ آخَرَ فَعُذْرٌ) تَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَلَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطُ عَبْدًا لِيَخِيطَهُ فَتَرَكَ الْخِيَاطَةَ لِعَمَلِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ ثَمَّةَ شَخْصَانِ فَأَمْكَنَهُمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْفَرَائِدِ: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ الْآخَرَ فِيهِ مَكَانَ عَمَلِ الْخِيَاطَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَلَيْنِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تُعْمَلُ فِيهِ الْخِيَاطَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ عَمَلٌ آخَرُ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ عَادَةً فَيَلْزَمُ الْعُذْرُ.
(وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَقَارًا ثُمَّ أَرَادَ السَّفَرَ) فَهُوَ عُذْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ السَّفَرِ، وَفِيهِ ضَرَرُ تَعْطِيلِ مَصَالِحِ السَّفَرِ أَوْ إلْزَامُ الْأَجْرِ بِدُونِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ عَقَارًا ثُمَّ سَافَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ إذَا الْمُسْتَأْجِرُ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمُؤَجِّرِ.
(وَتَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْفَسْخِ (بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ أَحَدٍ مِنْ الْآجِرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ: لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا كَالْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ، وَالْإِجَارَاتِ صَارَتْ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، وَالْعَقْدُ السَّابِقُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ فَيَنْتَقِضُ (عَقْدُهَا لِنَفْسِهِ) فَالْجُمْلَةُ حَالٌ عَنْ أَحَدٍ أَيْ حَالُ كَوْنِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ قَدْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ صِفَةٌ لِعَدَمِ تَعَرُّفِهِ بِالْإِضَافَةِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي؛ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ (فَإِنْ عَقَدَهَا) أَيْ الْإِجَارَةَ (لِغَيْرِهِ فَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِمَوْتِهِ (كَالْوَكِيلِ) يَعْقِدُهَا لِمُوَكِّلِهِ (وَالْوَصِيِّ)، وَكَذَا الْأَبُ، وَالْقَاضِي يَعْقِدُهَا لِمَحْجُورِهِ (وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ) يَعْقِدُهَا لِلْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ بَاقِيَانِ فَلَا يَلْزَمُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ لِانْعِدَامِ الِانْتِقَالِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ.
وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَتْ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ.
وَقَالَ زُفَرُ: تَبْطُلُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَشَاعِ، وَلَنَا أَنَّ عَدَمَ الشُّيُوعِ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا فِي بَقَائِهِ

.مَسَائِل مَنْثُورَة في الإجارة:

أَيْ هَذِهِ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى أَبْوَابِ الْإِجَارَةِ قَدْ تَدَارَكَهَا وَجَمَعَهَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ (وَلَوْ أَحْرَقَ) الْمُسْتَأْجِرُ (حَصَائِدَ أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ) وَهِيَ جَمْعُ حَصِيدَةٍ وَهِيَ مَا يُحْصَدُ مِنْ الزَّرْعِ، وَالنَّبْتِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَبْقَى مِنْ أُصُولِ الْقَصَبِ الْمَحْصُودِ فِي الْأَرْضِ (فَاحْتَرَقَ) بِسَبَبِهِ (شَيْءٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي التَّسْبِيبِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ وَقَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِهِ فَوَقَعَ إنْسَانٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (إنْ كَانَتْ الرِّيحُ هَادِئَةً) حِينَ أَوْقَدَ النَّارَ ثُمَّ تَحَرَّكَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ، وَالْهَادِئَةُ مِنْ هَدَأَ بِالْهَمْزَةِ أَيْ سَكَنَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَادِنَةً مِنْ هَدَنَ أَيْ سَكَنَ.
(وَإِنْ) كَانَتْ الرِّيحُ (مُضْطَرِبَةً ضَمِنَ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَعَ عِلْمِهِ بِعَاقِبَتِهِ فَأَفْضَى إلَيْهَا فَجُعِلَ كَمُبَاشِرٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تَفْصِيلِ الْهَادِئَةِ، وَالْمُضْطَرِبَةِ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ تَنُّورًا أَوْ دُكَّانًا فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَاحْتَرَقَ بِهِ بَعْضُ بُيُوتِ الْجِيرَانِ أَوْ الدَّارِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ بَنَى بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ مَا يَصْنَعُهُ النَّاسُ.
وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ وَضَعَ جَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْوَضْعِ، وَلَوْ رَفَعَتْهُ الرِّيحُ إلَى شَيْءٍ فَأَحْرَقَتْهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ نَسَخَتْ فِعْلَهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْحَدَّادُ الْحَدِيدَ مِنْ الْكُورِ فِي دُكَّانِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى الْعَلَاةِ وَضَرَبَهُ بِمِطْرَقَةٍ وَخَرَجَ شَرَارُ النَّارِ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ وَلَكِنْ أَخْرَجَ الرِّيحُ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا يَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ فَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ ضَمِنَ.
(وَلَوْ أَقْعَدَ خَيَّاطٌ أَوْ صَبَّاغٌ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ صَحَّ) هَذَا الْفِعْلُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدُّكَّانِ قَدْ يَكُونُ ذَا جَاهٍ وَحُرْمَةٍ وَلَا يَكُونُ حَاذِقًا فِي الْعَمَلِ فَيُقْعِدَ عِنْدَهُ حَاذِقًا يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَكِنَّهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ بِالْوَجَاهَةِ، وَالْآخَرُ يَعْمَلُ بِالْحَذَاقَةِ فَبِذَلِكَ تَنْتَظِمُ الْمَصْلَحَةُ وَلَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الْكَسْبِ قِيلَ: لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْعَمَلِ عَنْ الْآخَرِ، فَإِذَا تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا الْعَمَلَ، وَالْآخَرُ يَعْمَلُ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ، وَالتَّقَبُّلُ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ شَيْءٌ فِي هَذِهِ مِنْ بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ انْتَهَى.
لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِشَرِكَةِ الْوُجُوهِ لَيْسَ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ الْمَارُّ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ بَلْ مُرَادُهُ بِهَا هَهُنَا مَا وَقَعَ فِيهِ تَقَبُّلُ الْعَمَلِ بِالْوَجَاهَةِ يُرْشِدُك إلَيْهِ قَوْلُهُ: هَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ وَيُمْكِنُ بِوَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ تَغْلِيبًا لِجِهَةِ الْوَجَاهَةِ عَلَى جِهَةِ الْعَمَلِ لِكَوْنِهَا سَبَبًا تَأَمَّلْ.
(وَكَذَا) صَحَّ (لَوْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا يَحْمِلُ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ) يَقْعُدَانِ فِيهِ (إلَى مَكَّةَ) اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّاكِبُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَالْمَحْمَلُ تَابِعٌ وَمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ تَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ فَلِهَذَا قَالَ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ بَيْنَ النَّاسِ)، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِجَهَالَتِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (وَإِنْ شَاهَدَ الْجَمَّالُ الْمَحْمَلَ فَهُوَ أَجْوَدُ)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِحُصُولِ الرِّضَى.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ) أَيْ الْجَمَلَ (لِحَمْلِ زَادٍ فَأَكَلَ) الْمُسْتَأْجِرُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزَّادِ فِي الطَّرِيقِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (رَدُّ عِوَضِهِ) أَيْ عِوَضِ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ حَمْلٌ مَعْلُومٌ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَظْهَرِ لَا يَرُدُّهُ، وَلَوْ شَرَطَ رَدَّهُ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَهُ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَلَوْ قَالَ لِغَاصِبِ دَارِهِ: فَرِّغْهَا) أَيْ الدَّارَ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تُفَرِّغْ (فَأَجْرُهَا كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَلَمْ يُفَرِّغْ) الْغَاصِبُ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ مَكَثَ فِيهَا أَيَّامًا (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (الْمُسَمَّى) أَيْ الَّذِي سَمَّاهُ لَهُ الْمَالِكُ مِنْ الْأَجْرِ لِوُجُودِ الِالْتِزَامِ بِسَبَبِ عَدَمِ التَّفْرِيعِ (فَإِنْ جَحَدَ الْغَاصِبُ مِلْكَهُ) أَيْ كَوْنَ الدَّارِ مِلْكَ مَنْ يَدَّعِيهَا (أَوْ لَمْ يَجْحَدْ لَكِنْ قَالَ: لَا أُرِيدُهَا) أَيْ الدَّارَ (بِالْأَجْرِ فَلَا) عَلَيْهِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا بِالْإِجَارَةِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (بَرْهَنَ) الْمُدَّعِي (عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ جَحْدِهِ) أَيْ بَعْدَ جَحْدِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُفِيدُ فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ لَكِنْ قَالَ لَهُ: لَا أُرِيدُ بِالْإِقْرَارِ الْأَجْرَ لِعَدَمِ رِضَاهُ صَرِيحًا بِالْإِجَارَةِ (وَمَنْ آجَرَ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَكْثَرَ) مِنْ الْأَجْرِ الْأَوَّلِ (يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ)؛ لِأَنَّهُ رِبْحُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِهَا طَابَ الْفَضْلُ اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالَ الْمَوْلَى خُسْرو: جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْأَجِيرَ مِنْ غَيْرِ مُؤَجِّرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمُؤَجِّرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُؤَجِّرِ فَيَلْزَمُ تَمْلِيكُ الْمَالِكِ، وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ.
وَفِي الْغُرَرِ وَكَّلَهُ لِاسْتِئْجَارِ دَارٍ فَفَعَلَ وَقَبَضَ الْوَكِيلُ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِالْأَجْرِ عَلَى الْآمِرِ كَذَا إنْ شَرَطَ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ وَقَبَضَ الْوَكِيلُ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَطْلُبْ الْآمِرُ، وَإِنْ طَلَبَ الْآمِرُ وَأَبَى لِيُعَجِّلَ لَا يَرْجِعُ.
(وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ) حَالَ كَوْنِهَا (مُضَافَةً) إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا إلَى سَنَةٍ هَذَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهَا يَقَعُ مُضَافًا؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهَا يَتَجَدَّدُ بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فَوُقُوعُ الْمُقَيَّدِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ عِنْدَهُ كَالْعَيْنِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْعَيْنِ.
(وَكَذَا) يَصِحُّ (فَسْخُهَا) أَيْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ كَمَا إذَا قَالَ: فَاسَخْتُك هَذِهِ الْإِجَارَةَ رَأْسَ الشَّهْرِ الْآتِي، وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُهُ فَقَدْ فَاسَخْتُكَ لَمْ يَجُزْ.
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: جَازَ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي الْعِمَادِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا.
(وَ) كَذَا تَصِحُّ (الْمُزَارَعَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ أَيْضًا بِالْإِضَافَةِ كَمَا إذَا قَالَ: دَفَعْتُ إلَيْك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الْأَشْجَارَ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ الْعَمَلِ فِيهَا بَعْدَ شَهْرٍ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إجَارَةٌ (وَ) كَذَا (الْمُضَارَبَةُ) كَمَا إذَا دَفَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَى فُلَانٍ وَقَالَ بَعْدَ مَا صَارَتْ بِالْعَشَرَةِ عِشْرِينَ: اعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُضَارِبًا إلَّا عِنْدَ صَيْرُورَتِهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا (وَالْوَكَالَةُ) كَمَا إذَا قَالَ: بِعْ عَبْدِي غَدًا، فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ إلَّا بَعْدَ الْغَدِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعَزْلِ قَبْلَهُ وَصَحَّ الرُّجُوعُ إجْمَاعًا بِشَرْطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ كَالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَقْفِ (وَالْكَفَالَةُ) بِأَنْ قَالَ: مَا ثَبَتَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمَالِ ابْتِدَاءً فَتَجُوزُ إضَافَتُهَا (وَالْإِيصَاءُ) أَيْ جَعْلُ الْغَيْرِ وَصِيًّا بِأَنْ قَالَ: إذَا مِتُّ فَأَنْتَ وَصِيٌّ فِيمَا أَخْلُفُ إذْ الْإِيصَاءُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْحَالِ إلَّا إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْوَكَالَةِ (وَالْوَصِيَّةُ) بِأَنْ قَالَ: فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَهُ (وَالْقَضَاءُ، وَالْإِمَارَةُ) كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَضَاءِ (وَالطَّلَاقُ) بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَجِيءَ (وَالْعِتْقُ) بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ (وَالْوَقْفُ) كَمَا إذَا قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ غَدًا.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَتَصِحُّ الْعَارِيَّةُ، وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ مُضَافَيْنِ كَمَا فِي الْعِمَادِيِّ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُ كُلٍّ مِنْهَا وَقَدْ صَحَّ تَعْلِيقُ الْمُزَارَعَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فَسْخُ كُلٍّ مِنْهَا غَيْرَ الْإِجَارَةِ مُضَافًا انْتَهَى.
(لَا) يَصِحُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ (الْبَيْعِ وَإِجَازَتِهِ وَفَسْخِهِ، وَالْقِسْمَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْهِبَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالصُّلْحِ عَنْ مَالٍ وَإِبْرَاءِ الدَّيْنِ) حَالَ كَوْنِهِ مُضَافًا إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَمْلِيكٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْجِيزُهَا لِلْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِضَافَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ فَسْخُ الْعَقْدِ بَعْدَ تَعْجِيلِ الْبَدَلِ فَلِلْمُعَجِّلِ حَبْسُ الْبَدَلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَالَ الْبَدَلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ اسْتَأْجَرَ مَشْغُولًا وَفَارِغًا صَحَّ فِي الْفَارِغِ فَقَطْ الْمُسْتَأْجَرُ فَاسِدًا إذَا أَجَازَ صَحِيحًا جَازَتْ وَقِيلَ لَا.
وَفِي الْغُرَرِ: الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالشِّرَاءِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي.

.كِتَابُ الْمُكَاتَبِ:

أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَبِهَذَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ يَعْنِي قَوْلَنَا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ خَرَجَ بِهِ الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَقَوْلُنَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ خَرَجَ بِهِ النِّكَاحُ، وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ فِيهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ قِيلَ: الْأَنْسَبُ أَنْ يُذْكَرَ عَقِيبَ الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْوَلَاءُ، وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ فِيهَا مِلْكٌ لِشَخْصٍ وَمَنْفَعَةٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَنْسَبُ لِلْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الذَّاتِيَّاتِ أَوْلَى مِنْ الْعَرَضِيَّاتِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْمَوْلَى سَعْدِيٍّ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ، وَالْمُكَاتَبُ هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ كَاتَبَ مُكَاتَبَةً، وَالْمَوْلَى مُكَاتِبٌ بِكَسْرِ التَّاءِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْكَتْبِ وَهُوَ الْجَمْعُ وَمِنْهُ كَتَبْت الْقَرْيَةَ إذَا أَحْرَزْتُهَا، وَالْكَتِيبَةُ هِيَ الطَّائِفَةُ الْمُجْتَمِعَةُ مِنْ الْجَيْشِ، وَالْكِتَابُ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْأَبْوَابَ، وَالْفُصُولَ، وَالْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْحُرُوفَ وَيُسَمَّى هَذَا الْعَقْدُ كِتَابَةً وَمُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَمَّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ أَوْ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ (الْكِتَابَةُ) فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ كَتَبَ.
وَفِي الشَّرْعِ (تَحْرِيرُ الْمَمْلُوكِ يَدًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْيَدِ (فِي الْحَالِ وَرَقَبَةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ الرَّقَبَةِ (فِي الْمَآلِ) أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَتَحَرَّرُ رَقَبَةً إلَّا إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا فِي الْحَالِ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ جِهَةِ الْيَدِ فَقَطْ حَتَّى يَكُونَ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الضَّمَانُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ وَلِهَذَا قِيلَ الْمُكَاتَبُ طَارَ عَنْ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي سَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالنَّعَامَةِ إنْ اُسْتُطِيرَ تَبَاعَرَ، وَإِنْ اُسْتُحْمِلَ تَطَايَرَ، ثُمَّ شَرْطُ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الرِّقُّ قَائِمًا بِالْمَحَلِّ وَأَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ، وَسَبَبُهَا رَغْبَةُ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَاجِلًا، وَفِي ثَوَابِ الْعِتْقِ آجِلًا.
وَرَقَبَةُ الْعَبْدِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِكَاكُ الْحَجْرِ وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْيَدِ فِي الْحَالِ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ أَخَصَّ بِنَفْسِهِ وَكَسْبِهِ مِنْ مَوْلَاهُ وَأَلْفَاظُهَا كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ (فَمَنْ كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ، وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (صَغِيرًا يَعْقِلُ) قَيَّدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْقِلْ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْقَبُولِ، وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ (بِمَالٍ حَالٍّ) بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْبَدَلَ عَقِيبَ الْعَقْدِ (أَوْ) بِمَالٍ (مُؤَجَّلٍ) بِأَنْ يُؤَدِّيَ كُلَّهُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ (أَوْ) بِمَالٍ (مُنَجَّمٍ) بِأَنْ يُؤَدِّيَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِقْدَارًا مَعْلُومًا مِنْ الْبَدَلِ الْأَوْلَى بِالْوَاوِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَكَوْنُ بَدَلِهَا مُنَجَّمًا وَمُؤَجَّلًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا تَدَبَّرْ (فَقِبَلَ): الْمَمْلُوكُ ذَلِكَ (صَحَّ) الْعَقْدُ عِنْدَنَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} الْآيَةَ فَتَنَاوَلَتْ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَالِّ، وَالْمُؤَجَّلِ، وَالْمُنَجَّمِ، وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ وَكُلِّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الطَّلَبُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَالْبَدَلُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَوَهُّمَ الْقُدْرَةِ كَافٍ هُنَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَيَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَدْيُونًا لِلْغَيْرِ،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا مُنَجَّمًا وَأَقَلُّهُ نَجْمَانِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ إذْ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ لَكِنَّ قَيْدَ التَّأْجِيلِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ فَرُدَّ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَالْأَمْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ أَمْرَ إيجَابٍ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَلْغَى الشَّرْطَ إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِدُونِهِ، وَأَمَّا نالندبية فَمُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قِيلَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ لَوْ فَعَلَهُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ قَبُولِ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ»، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَمَا اخْتَرْنَاهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَيَعْتِقُ بِأَدَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى: إذَا أَدَّيْتَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ التَّصْرِيحِ كَمَا فِي الْبَيْعِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا يَجِبُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ حَطُّ رُبُعِ الْبَدَلِ.
(وَكَذَا لَوْ قَالَ) الْمَوْلَى: (جَعَلْتُ عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا) أَيْ مُتَفَرِّقًا عَلَى النَّجْمِ (أَوَّلُهَا) أَيْ أَوَّلُ النُّجُومِ (كَذَا) مِنْ الدِّرْهَمِ (وَآخِرُهَا كَذَا) مِنْهَا (فَإِذَا أَدَّيْتَهُ) أَيْ الْأَلْفَ (فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْتَ فَقِنٌّ) أَيْ فَأَنْتَ قِنٌّ عَلَى حَالِك (فَقَبِلَ) الْعَبْدُ ذَلِكَ صَحَّ الْعَقْدُ وَصَارَ مُكَاتَبًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْكِتَابَةَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي، وَقَدْ أَتَى بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ مُفَسَّرًا فَيَنْعَقِدُ بِهِ قِيلَ قَوْلُهُ جَعَلْتُ عَلَيْك يَحْتَمِلُ عَقْدَ الْكِتَابَةِ وَيَحْتَمِلُ الضَّرِيبَةَ عَلَى الْعَبْدِ فَلَا تَتَعَيَّنُ جِهَةُ الْكِتَابَةِ إلَّا بِقَوْلِهِ: فَإِنْ أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزْتَ فَقِنٌّ حَثًّا لِلْعَبْدِ عَلَى الْأَدَاءِ.
(وَلَوْ قَالَ) الْمَوْلَى: (إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ تَعْلِيقٌ) يَعْنِي يَكُونُ إعْتَاقًا بِالْمَالِ لَا بِالْمُكَاتَبَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيمَ لَيْسَ مِنْ خَوَاصِّ الْكِتَابَةُ حَتَّى يُجْعَلَ تَفْسِيرًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَقَدْ تَخْلُو الْكِتَابَةُ عَنْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِالْكِتَابَةِ لِيَكُونَ تَفْسِيرًا لَهَا فَلَا يَكُونُ مُكَاتَبًا (وَقِيلَ مُكَاتَبَةٌ) وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّيْسِيرِ، وَذَلِكَ فِي الْمَالِ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ إلَّا بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا إلَّا فِي الْكِتَابَةِ (وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ) الْمُكَاتَبُ (عَنْ يَدِ الْمَوْلَى)؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ، وَالسَّفَرِ (دُونَ مِلْكِهِ) أَيْ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى لِمَا رَوَيْنَاهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ أَتْلَفَ) الْمَوْلَى (مَالَهُ) أَيْ مَالَ الْمُكَاتَبِ (ضَمِنَهُ) أَيْ ضَمِنَ الْمَوْلَى مَا أَتْلَفَهُ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فِي مَالِ كَسْبِهِ.
(وَكَذَا) ضَمِنَهُ (إنْ وَطِئَ) الْمَوْلَى (الْمُكَاتَبَةَ) أَيْ يَغْرَمُ الْعُقْرَ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ نَفْسِهَا (أَوْ جَنَى) الْمَوْلَى (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ (أَوْ عَلَى وَلَدِهَا) أَيْ يَغْرَمُ الْمَوْلَى أَرْشَ الْجِنَايَةِ لَهَا وَلِوَلَدِهَا لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فِي حَقِّهَا وَوَلَدِهَا.
(وَإِنْ كَاتَبَهُ) أَيْ إنْ كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ (عَلَى قِيمَتِهِ) بِأَنْ قَالَ: كَاتَبْتُك عَلَى قِيمَتِك (فَسَدَتْ) الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَجِنْسًا وَوَصْفًا فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ، وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى الْقِيمَةِ تَنْصِيصٌ عَلَى مَا هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقِيمَةِ (فَإِنْ أَدَّاهَا) أَيْ الْقِيمَةَ (عَتَقَ) الْعَبْدُ لِكَوْنِهَا بَدَلًا مَعْنًى.
(وَكَذَا تَفْسُدُ) الْكِتَابَةُ (لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ) بِأَنْ قَالَ: كَاتَبْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ (يَتَعَيَّنُ) صِفَةُ عَيْنٍ (بِالتَّعْيِينِ) كَالثَّوْبِ، وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ مِلْكِ الْغَيْرِ.
وَعَنْ الْإِمَامِ يَجُوزُ إنْ قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا بِأَنْ يَمْلِكَهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِعَيْنِهَا وَهِيَ لِغَيْرِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَيَتَعَلَّقُ بِدَرَاهِمَ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ لَا بِدَرَاهِمِ الْغَيْرِ فَيَجُوزُ (أَوْ عَلَى مِائَةِ) دِينَارٍ (وَيَرُدُّ) السَّيِّدُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَبْدِ (عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ) أَيْ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ سَيِّدُهُ عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِأَنْ قَالَ: أَدِّ إلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مِنِّي عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْعَبْدِ مِنْ الْمِائَةِ لَا يَصِحُّ لِانْعِدَامِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمُجَانَسَةُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ قِيمَتِهِ وَلَكِنَّهَا مَجْهُولَةٌ لِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فِيهَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجُوزُ) الْكِتَابَةُ (وَتُقَسَّمُ الْمِائَةُ عَلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَقِيمَةِ عَبْدٍ وَسَطٍ فَيَسْقُطُ قِسْطُ الْعَبْدِ) أَيْ حِصَّتُهُ (وَالْبَاقِي) مِنْ الْمِائَةِ بَعْدَ حِصَّتِهِ (بَدَلُ الْكِتَابَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مِائَةً وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ خَمْسِينَ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسِينَ يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَدَاءُ خَمْسِينَ وَيَسْقُطُ خَمْسُونَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَتَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى عَبْدٍ فَكَذَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ هَذَا فِي عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ حَتَّى لَوْ شَرَطَهُ أَنْ يَرُدَّ عَبْدًا مُعَيَّنًا صَحَّ اتِّفَاقًا.
(وَإِنْ كَاتَبَ الْمُسْلِمُ) عَبْدَهُ (بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَسَدَ) الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحَانِ لِلْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى ذِمِّيًّا، وَالْعَبْدُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ إسْلَامَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ (فَإِنْ أَدَّاهُ) أَيْ إنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ (عَتَقَ) الْعَبْدُ (وَلَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ) هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَاءٌ أَتَى بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْتَ الْخَمْرَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ الْقِيمَةُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ صُورَةً وَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ مَعْنًى.
وَعَنْ الطَّرَفَيْنِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ إذَا قَالَ: إنْ أَدَّيْتَهَا إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ (، وَالْكِتَابَةُ عَلَى مَيِّتَةٍ أَوْ دَمٍ بَاطِلَةٌ)؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ أَصْلًا عِنْدَ أَحَدٍ (فَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى) لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْكِتَابَةِ بِبُطْلَانِهَا فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ، وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَائِهَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَتَجِبُ الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَةُ الْعَبْدِ (فِي) الْكِتَابَةِ (الْفَاسِدَةِ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِالنُّقْصَانِ، وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ لِئَلَّا يُبْطِلَ حَقَّهُ فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ أَوْلَى لَهُ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى آخِرِ عُمُرِهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَلَا تَنْقُصُ) الْقِيمَةُ (عَنْ الْمُسَمَّى) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِالنُّقْصَانِ (وَتُزَادُ) الْقِيمَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسَمَّى إنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَيْهِ فَيَسْعَى فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِمَا مَرَّ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فِي الْفَاسِدَةِ هُوَ قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ وَقِيلَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَسْأَلَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَاتَبَ: عَبْدَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ أَبَدًا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ، فَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً عَنْ أَلْفٍ لَا تَنْقُصُ، وَإِنْ زَائِدَةً زِيدَتْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَهَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِمَا قَبْلَهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ إنْ كَانَتْ نَاقِصَةً عَنْ الْمُسَمَّى لَا تَنْقُصُ مِنْهُ، وَإِنْ زَائِدَةً زِيدَتْ عَلَيْهِ.
(وَصَحَّتْ) الْكِتَابَةُ (عَلَى حَيَوَانٍ ذُكِرَ جِنْسُهُ فَقَطْ) كَالْعَبْدِ، وَالْفَرَسِ (لَا وَصْفُهُ) كَالْجَيِّدِ، وَالرَّدِيءِ وَلَا بُدَّ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ النَّوْعَ بِأَنْ يَقُولَ: وَلَا نَوْعُهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِدُونِ ذِكْرِ النَّوْعِ كَالتُّرْكِيِّ، وَالْهِنْدِيِّ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَمُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَتَقَعُ الْكِتَابَةُ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ فَحُمِلَ عَلَى الْجَوَازِ فَالْجَهَالَةُ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ لَا تَضُرُّ لِكَوْنِهَا يَسِيرَةً؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ (وَلَزِمَ) الْمُكَاتَبَ (الْوَسَطُ) أَيْ الْحَيَوَانُ الْوَسَطُ (أَوْ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ فَالْعَيْنُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ، وَالْقِيمَةُ أَصْلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِهَا فَاسْتَوَيَا فَيُخَيَّرُ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ مَا أَدَّى.
(وَصَحَّ كِتَابَةُ كَافِرٍ عَبْدَهُ الْكَافِرَ بِخَمْرٍ مُقَدَّرٍ)؛ لِأَنَّهَا مَالٌ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا قَالَ: مُقَدَّرٍ، وَلَمْ يَقُلْ: مُقَدَّرَةٍ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: إنَّهُ قَدْ يُذَكَّرُ (وَأَيٌّ) مِنْ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ (أَسْلَمَ فَلِلسَّيِّدِ قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ (بِأَدَاءِ عَيْنِهَا) أَيْ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَسَلَامَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ الْآخَرِ لِلْآخَرِ، وَإِذَا أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ أَيْضًا لِتَضَمُّنِ الْكِتَابَةِ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ إذْ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْعَقْدِ كَمَا فِي الرَّمْزِ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتُّمُرْتَاشِيّ لَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ أَدَّى الْقِيمَةَ يَعْتِقُ.
وَفِي الْغُرَرِ وَصَحَّتْ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءِ دَارٍ إذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْمَعْمُولِ وَالْأَجْرِ بِمَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ وَلَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ.

.بَابُ تَصَرُّفِ الْمُكَاتَبِ:

(لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيُسَافِرَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْبَدَلِ إلَّا بِهَا وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَ عَدَمَهُ) أَيْ عَدَمَ سَفَرِ الْمُكَاتَبِ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهِ شَرْطًا مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَيُزَوِّجَ أَمَتَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ بِأَخْذِ الْمَهْرِ، وَالْخَلَاصِ عَنْ نَفَقَتِهَا.
(وَ) لَهُ أَنْ (يُكَاتِبَ عَبْدَهُ) أَوْ أَمَتَهُ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهَا اكْتِسَابًا بِأَخْذِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَيْضًا فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ بَلْ هُوَ أَنْفَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْبَدَلِ، وَالْبَيْعُ يُزِيلُ قَبْلَ وُصُولِهِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لِأَنَّ الْمَآلَ هُوَ الْعِتْقُ، وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ (فَإِنْ أَدَّى) الْمُكَاتَبُ الثَّانِي بَدَلَ الْكِتَابَةِ (بَعْدَ عِتْقِ) الْمُكَاتَبِ (الْأَوَّلِ فَوَلَاؤُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي (لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَهْلًا بَعْدَ الْعِتْقِ.
(وَإِنْ) أَدَّى الْمُكَاتَبُ الثَّانِي بَدَلَ الْكِتَابَةِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ (فَلِلسَّيِّدِ) أَيْ وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِ الْمُكَاتَبِ مُعْتِقًا لَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ الْإِعْتَاقَ فَيَخْلُفُهُ فِيهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَهُوَ مَوْلَاهُ وَلَوْ أَدَّى الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى جُعِلَ مُعْتِقًا، وَالْوَلَاءُ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ أَدَّيَا مَعًا فَوَلَاؤُهُمَا لِلْمَوْلَى لِكَوْنِهِ أَصْلًا.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ ذِمَّتِهِ بِالْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ وَيَجُوزُ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِأَجْلِهِ فَإِذَا أَذِنَ جَازَ (وَلَا) أَنْ (يَهَبَ)؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِعِوَضٍ)؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً (وَلَا يَتَصَدَّقُ)؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ أَيْضًا (إلَّا بِيَسِيرٍ) مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ (وَلَا يَكْفُلُ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ أَوْ فِي النَّفْسِ بِأَمْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرٍ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ (وَلَا يُقْرِضُ وَلَا يُعْتِقُ، وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِمَالٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ (وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ)؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لَهُ وَنَقْصٌ لِمَالِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ شَاغِلًا لِرَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ (وَلَا يَبِيعُهُ مِنْ نَفْسِهِ)؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ فَلَا يَمْلِكُهُ.
(، وَالْأَبُ، وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ) الَّذِي تَحْتَ حَجْرِهِمَا (كَالْمُكَاتَبِ) فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَكِتَابَةِ رَقِيقِ الصَّغِيرِ لَا عَلَى إعْتَاقِهِ عَلَى مَالٍ وَلَا بَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا تَزْوِيجِ عَبْدِهِ (وَلَا يَمْلِكُ) الْعَبْدُ (الْمَأْذُونُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْذُونِ (تَزْوِيجُ أَمَتِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُضَارِبُ، وَالشَّرِيكُ) شَرِكَةَ عِنَانٍ وَمُفَاوَضَةٍ لَهُمَا أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُونَ التِّجَارَةَ، وَالتَّزْوِيجُ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَا مِنْهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَالْبُضْعُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مُقَابِلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فِي الْحَالِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَمْلِكُونَهُ، وَلَهُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا.
(وَإِنْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ قَرِيبَهُ وِلَادًا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتِبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِتْقِ فَيُجْعَلُ مُكَاتَبًا مَعَهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَيَدْخُلُونَ فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا لَهُ وَأَقْوَاهُمْ دُخُولًا الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ ثُمَّ الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى ثُمَّ الْوَالِدَانِ، وَعَنْ هَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أَبِيهِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً يَسْعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ، وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ حَالًّا وَإِلَّا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ، وَالْوَالِدَانِ يُرَدَّانِ فِي الرِّقِّ كَمَا مَاتَ وَلَا يُؤَدِّيَانِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا.
(وَلَوْ اشْتَرَى) الْمُكَاتَبُ (ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ غَيْرَ الْوِلَادِ) كَالْأَخِ وَابْنِهِ، وَالْعَمِّ وَابْنِهِ (لَا يَدْخُلُ) فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فَالْمُكَاتَبُ فَقِيرٌ كَاسِبٌ، وَهَذِهِ الْقُدْرَةُ تَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ لَا فِي غَيْرِهَا وَلِذَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ، وَالْوَالِدَيْنِ عَلَى مَنْ يَقْدِرُ الْكَسْبَ، وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأَخِ، وَالْعَمِّ فَتَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ لَا عَلَى الْكَاسِبِ الْفَقِيرِ (خِلَافًا لَهُمَا)، فَإِنَّهُمَا قَالَا: يَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ يَشْمَلُ الْقَرَابَةَ الْمَحْرَمِيَّةَ وَلِذَا يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُمْ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إذَا سَرَقَ مِنْهُمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَوْ اشْتَرَى بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ لَا يُكَاتَبُ وَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَبِالْإِذْنِ يَصِحُّ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُذْكَرُ فِي الْعَتَاقِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَاهُمَا لَكَانَ أَخَصْرَ.
(وَإِنْ اشْتَرَى) الْمُكَاتَبُ (أُمَّ وَلَدِهِ) أَيْ امْرَأَتَهُ الْمَنْكُوحَةَ الْمَمْلُوكَةَ لِلْغَيْرِ (مَعَ وَلَدِهَا) مِنْهُ (دَخَلَ الْوَلَدُ فِي الْكِتَابَةِ) تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ كَمَا مَرَّ (وَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ فَتَتْبَعُهُ أُمُّهُ فِي امْتِنَاعِ الْبَيْعِ فَامْتَنَعَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَلَا تَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى لَا تَعْتِقَ بِعِتْقِهِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَجَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِمِلْكِ النِّكَاحِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ إذَا اشْتَرَتْ زَوْجَهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَهَا أَنْ تَبِيعَهُ كَيْفَ مَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْوَلَدُ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ أُمِّ الْوَلَدِ (جَازَ بَيْعُهَا) لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي كِتَابَتِهِ قِيَاسًا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَا كَسَبَهُ الْمُكَاتَبُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ وَبَيْنَ أَنْ يَعْجِزَ، فَإِنْ أَدَّى الْكُلَّ يَتَقَرَّرُ لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ يَتَقَرَّرُ لَهُ لِلْمَوْلَى فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَهُوَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ (خِلَافًا لَهُمَا)، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ (وَوَلَدُهُ) أَيْ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ (مِنْ أَمَتِهِ يَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ بِالدَّعْوَةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْكِتَابَةِ (وَكَسْبُهُ) أَيْ كَسْبُ الْوَلَدِ (لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَمْلُوكِهِ وَكَانَ كَسْبُهُ لَهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَالْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ.
(وَلَوْ زَوَّجَ) الْمُكَاتَبُ (أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ثُمَّ كَاتَبَهُمَا) أَيْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ الْعَبْدَ، وَالْأَمَةَ (فَوَلَدَتْ) الْأَمَةُ (يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي كِتَابَةِ الْأُمِّ وَكَسْبُهُ) أَيْ كَسْبُ الْوَلَدِ (لَهَا) أَيْ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الْكِتَابَةِ، وَالرِّقِّ كَمَا مَرَّ فِي الْعَتَاقِ حَتَّى لَوْ قُتِلَ الْوَلَدُ تَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْأُمِّ دُونَ الْأَبِ.
(وَلَوْ نَكَحَ) أَيْ تَزَوَّجَ (مُكَاتَبٌ بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى (امْرَأَةً زَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ) مِنْ الْمُكَاتَبِ (فَاسْتُحِقَّتْ) أَيْ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِوَلَدِهَا (فَوَلَدُهَا عَبْدٌ)، وَكَذَا إنْ وَلَدَتْ مِنْ عَبْدٍ فَوَلَدُهَا عَبْدٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِكَوْنِهِ مَوْلُودًا مِنْ الْمَمْلُوكَيْنِ فَيَكُونُ رَقِيقًا إذْ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَتَرَكْنَا هَذَا فِي وَلَدِ الْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ وَاجِبَةٍ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ، وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى الْعِتْقِ هَكَذَا ذَكَرُوا هُنَا لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ هَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا، فَإِنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ إذَا لَزِمَهُ بِسَبَبٍ أَذِنَ فِيهِ الْمَوْلَى يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيُطَالَبُ بِهِ لِلْحَالِ، وَالْمَوْضُوعُ هُنَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الدَّيْنُ فِيهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَلْزَمُ الْمَهْرُ وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ فِي الْحَالِ انْتَهَى.
لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَذِنَ بِالتَّزَوُّجِ الْمُقَيَّدِ بِكَوْنِهَا حُرَّةً لَا مُطْلَقًا فَالْمَغْرُورُ حِينَئِذٍ هُوَ الْعَبْدُ فَلَا يُوجِبُ أَنْ يَلْزَمَ عَلَى الْمَوْلَى مَا يَلْزَمُ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ كَوْنِ ابْنِهِ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ وَلَا غُنْمَ لِلْمَوْلَى حَتَّى يَجِبَ الضَّمَانُ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الرَّقِيقِ، وَوَلَدُ الْحُرِّ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الْحُرِّ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يَلْحَقُ بِوَلَدِ الْحُرِّ الْمَغْرُورِ بِالْقِيَاسِ، وَالدَّلَالَةِ تَدَبَّرْ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (حُرٌّ) بِالْقِيمَةِ (وَتُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُكَاتَبِ (قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْوَلَدِ (بَعْدَ عِتْقِهِ)؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ الْحُرَّ فِي سَبَبِ ثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ، وَهُوَ الْغُرُورُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِي نِكَاحِهَا إلَّا لِيَنَالَ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ فَيَلْحَقُ بِوَلَدِ الْحُرِّ، وَالْمَغْرُورِ إلَّا أَنَّ قِيمَتَهُ تُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ وَلَدُهَا حُرٌّ بِالْقِيمَةِ يُعْطِيهَا لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يُعْطِيهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِمَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْأَمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةَ لَهُ انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ الْمُصَنِّفَ التَّفْصِيلُ تَتَبَّعْ.
(وَإِنْ وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَةً بِمِلْكٍ) أَيْ إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ فَوَطِئَهَا (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ)، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَالِهَا مَعَ الْإِذْنِ لِيُفْهَمَ مِنْهُ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (فَاسْتُحِقَّتْ) أَيْ الْأَمَةُ (أَخَذَ مِنْهُ) أَوْ مِنْ الْمُكَاتَبِ (عُقْرَهَا فِي الْحَالِ) مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إلَى الْعِتْقِ.
(وَكَذَا إنْ شَرَاهَا) أَيْ شَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً شِرَاءً (فَاسِدًا فَوَطِئَهَا فَرُدَّتْ) بِحُكْمِ الْفَسَادِ أُخِذَ مِنْهُ عُقْرُهَا فِي الْحَالِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إلَى الْعِتْقِ (، وَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ الْمُكَاتَبُ الْأَمَةَ (بِنِكَاحٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَاسْتُحِقَّتْ (لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) الْعُقْرُ (إلَّا بَعْدَ عِتْقِهِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ وَتَوَابِعَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْكِتَابَةِ، وَالْعُقْرُ مِنْ تَوَابِعِهَا.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَظْهَرْ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ فِي شَيْءٍ فَلَا تَنْتَظِمُهُ الْكِتَابَةُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْعُقْرَ ثَبَتَ بِالْوَطْءِ لَا بِالشِّرَاءِ، وَالْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ إذْنًا بِالْوَطْءِ وَالْوَطْءُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَكُونُ الْعُقْرُ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى انْتَهَى.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُقْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ وَسُقُوطُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشِّرَاءِ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ فَيَكُونُ مَأْذُونًا فِيمَا سَبَقَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ انْتَهَى لَكِنَّ الْإِذْنَ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ إذْنًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إذَا كَانَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَطْءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ لَكِنَّ سَبَبَهُ الَّذِي هُوَ الشِّرَاءُ مِنْهَا وَتَنْزِيلُ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ الْمُسَبَّبِ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَهُمْ تَأَمَّلْ.
(وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْمُكَاتَبِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (الْمَأْذُونُ) لَهُ (فِي التِّجَارَةِ) قِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ ثَيِّبًا أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِكْرًا يُؤْخَذُ بِالْعُقْرِ حَالًا، وَكَذَا لَوْ نَكَحَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ يُؤْخَذُ بِالْمَهْرِ فِي الْحَالِ.

.فَصَلِّ: إِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ مَوْلَاهَا:

(وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ مَوْلَاهَا) فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ (مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَوْ) إنْ شَاءَتْ (عَجَّزَتْ) مِنْ التَّعْجِيزِ (نَفْسَهَا) مَفْعُولُ عَجَّزَتْ؛ لِأَنَّهُ تَلَقَّتْهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ: عَاجِلَةٌ بِبَدَلٍ، وَهِيَ الْكِتَابَةُ، وَآجِلَةٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهِيَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ فَتَخْتَارُ أَيُّهُمَا شَاءَتْ (وَهِيَ) أَيْ الْمُكَاتَبَةُ (أُمُّ وَلَدِهِ) سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ إذَا ادَّعَى أَوْ كَذَّبَتْهُ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهَا وَلَهَا حَقُّ الْمِلْكِ، وَالْحَقِيقَةُ رَاجِحَةٌ فَثَبَتَ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى جَارِيَةَ ابْنِهِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الِابْنِ (وَإِذَا مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ) يَعْنِي إذَا اخْتَارَتْ الْكِتَابَةَ وَمَضَتْ عَلَيْهَا (أَخَذَتْ) أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ (مِنْهُ) أَيْ مَوْلَاهُ (عُقْرَهَا) أَيْ مَهْرَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِنَفْسِهَا بِالْكِتَابَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ نَفْسِهَا.
(وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى) بَعْدَ مُضِيِّهَا عَلَى الْكِتَابَةِ (عَتَقَتْ) بِالِاسْتِيلَادِ (وَسَقَطَ عَنْهَا الْبَدَلُ)؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهَا بَطَلَتْ وَانْتَفَتْ الْفَائِدَةُ فِي إبْقَائِهَا؛ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ مَجَّانًا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ.
(وَإِنْ مَاتَتْ) الْمُكَاتَبَةُ (وَتَرَكَتْ مَالًا أُدِّيَتْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَالِ (كِتَابَتُهَا وَمَا بَقِيَ) مِنْ الْمَالِ (مِيرَاثٌ لِابْنِهَا) لِثُبُوتِ عِتْقِهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ قِيلَ لَوْ قَالَ لِوَلَدِهَا لَكَانَ أَشْمَلَ لِلْبِنْتِ انْتَهَى لَكِنَّ الِابْنَ يَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَالِ وَلَيْسَتْ الْبِنْتُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ النِّصْفَ، وَالْآخَرُ لِلْمَوْلَى، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ مَا يَأْخُذُ الْجَمِيعَ وَهُوَ الِابْنُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَمَا بَقِيَ أَيْ مَجْمُوعُ مَا بَقِيَ تَأَمَّلْ.
(وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ مَنْ تَلِدُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ (بِلَا دَعْوَةٍ بَلْ هُوَ مِثْلُهَا) أَيْ مِثْلُ أُمِّ الْوَلَدِ (فِي الْحُكْمِ) لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ، وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إذَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمَوْلَى وَطْؤُهَا، وَإِنْ حَرُمَ فَلَا يَلْزَمُهُ حَتَّى إذَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا، وَوَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ الْعُلُوقُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا إذَا نَفَاهُ صَرِيحًا كَسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ الثَّانِي وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ أُمِّهِ.
(وَإِنْ كَاتَبَ) شَخْصٌ (مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ صَحَّ) مَا فَعَلَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْوَلَدِ غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (فَإِنْ مَاتَ) الْمَوْلَى (عَتَقَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ الْمُكَاتَبَةُ (مَجَّانًا) أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ، وَالْبَدَلُ وَجَبَ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ وَيَسْلَمُ لَهَا الْأَوْلَادُ، وَالْأَكْسَابُ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَمِلْكُهَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فِي حَالِ حَيَاتِهِ (وَالْمُدَبَّرُ) الْمُكَاتَبُ (يَسْعَى) بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى (فِي) جَمِيعِ (بَدَلِ كِتَابَتِهِ) إنْ شَاءَ (أَوْ) يَسْعَى فِي (ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ) الْمَوْلَى يَمُوتُ (مُعْسِرًا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ حُرِّيَّةَ الثُّلُثِ ظَاهِرًا فَالْإِنْسَانُ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ مَجَّانًا فَيَبْقَى الْبَدَلُ جَمِيعًا فِي مُقَابَلَةِ ثُلُثَيْ الرَّقَبَةِ كَمَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ يَصِيرُ كُلُّ الْأَلْفِ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُقَابَلُ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ لَا بِثُلُثَيْهَا إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ عِنْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُرِّيَّةِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى مِنْ الْأَقَلِّ مِنْ الْبَدَلِ أَوْ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) لِكَوْنِ الْأَقَلِّ نَافِعًا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ أَوْ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ)؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَعْتِقُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ مَجَّانًا فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَمَا تَسْقُطُ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَبْقَى الثُّلُثَانِ مِنْ الْبَدَلِ فَصَارَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فَالْخِيَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَرْعُ التَّجَزُّؤِ وَعَدَمُ الْخِيَارِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ لِمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَبَطَلَ كِتَابَتُهُ.
(وَإِنْ دَبَّرَ) الْمَوْلَى (مُكَاتَبَهُ صَحَّ) التَّدْبِيرُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِشَرْطِ الْمَوْتِ (وَمَضَى عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْكِتَابَةِ إنْ شَاءَ (أَوْ عَجَّزَ) التَّعْجِيزَ (نَفْسَهُ وَصَارَ مُدَبَّرًا)؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى (فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْكِتَابَةِ (فَمَاتَ سَيِّدُهُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُعْسِرًا يَسْعَى) الْمُدَبَّرُ (فِي ثُلُثَيْ الْبَدَلِ أَوْ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مُتَجَزِّئٌ فَيَسْقُطُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ الثُّلُثُ فَيَخْتَارُ مِنْهُمَا مَا شَاءَ (وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا)؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَخْتَارُ أَقَلَّ الدَّيْنَيْنِ ضَرُورَةً فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِ تَجَزُّئِهِ أَمَّا الْمِقْدَارُ هُنَا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ عَتَقَ) لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ (وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ)؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ لِيَحْصُلَ الْعِتْقُ وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ.
(وَإِنْ كُوتِبَ) الْعَبْدُ (عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَصَالَحَ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا صَحَّ) الصُّلْحُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ بِالْمَالِ الْحَالِّ عَنْ الْآجِلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالدَّيْنُ مَالٌ فَكَانَ رِبًا وَبِهِ قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ كَمَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِالْأَجَلِ دُونَ وَجْهٍ آخَرَ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ دُونَ وَجْهٍ آخَرَ فَاسْتَوَيَا فِي كَوْنِهِمَا مَالًا وَغَيْرَ مَالٍ.
(وَإِنْ مَاتَ مَرِيضٌ) وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَانَ (كَاتَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ) فَكَاتَبَهُ (عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَلَا مَالَ لَهُ) أَيْ لِلْمَرِيضِ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْعَبْدِ (وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) ذَلِكَ (أَدَّى الْعَبْدُ) الْمُكَاتَبُ (ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا، وَ) أَدَّى (الْبَاقِيَ إلَى أَجَلِهِ) أَيْ عِنْدَ انْتِهَاءِ أَجَلِهِ (أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْمُبْدَلِ فَيَصِيرُ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ الْبَدَلِ وَلِذَا يَكُونُ عِتْقُهُ مُتَعَلِّقًا بِأَدَاءِ الْكُلِّ فَلَا يَجُوزُ فِي قَدْرِ الثُّلُثَيْنِ مِنْهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) إنْ شَاءَ (يُؤَدِّي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) وَهِيَ أَلْفٌ (لِلْحَالِّ، وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا)؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ لَهُ التَّأْجِيلُ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الزِّيَادَةِ فَيَجُوزُ التَّرْكُ فَيَصِحُّ بِالتَّأْخِيرِ.
(وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ) إلَى سَنَةٍ (وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَمْ يُجِيزُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (أَدَّى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ لِلْحَالِّ أَوْ رُدَّ إلَى الرِّقِّ اتِّفَاقًا) يَعْنِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هُنَا حَصَلَتْ فِي الْقَدْرِ وَالتَّأْخِيرِ فَاعْتُبِرَ الثُّلُثُ فِيهِمَا أَيْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ فِي الْإِسْقَاطِ وَالتَّأْخِيرِ لَكِنْ لَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ الثُّلُثُ لَمْ يَبْقَ التَّأْخِيرُ أَيْضًا فَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ لَا فِي حَقِّ الْإِسْقَاطِ وَلَا فِي التَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَمِثْلُهَا) أَيْ مِثْلُ الْكِتَابَةِ (الْبَيْعُ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ دَارِهِ بِأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَعِنْدَهُمَا يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: أَدِّ ثُلُثَيْ جَمِيعِ الثَّمَنِ حَالًّا، وَالثُّلُثُ إلَى أَجَلِهِ وَإِلَّا فَانْقُضْ الْبَيْعَ، وَعِنْدَهُ يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ كَاتَبَ حُرٌّ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَأَدَّى) الْحُرُّ الْأَلْفَ (عَنْهُ عَتَقَ وَلَا يَرْجِعُ) الْحُرُّ (بِهِ) أَيْ بِالْأَلْفِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ مُتَبَرِّعًا إذْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْحُرُّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ: كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ سَوَاءٌ شَرَطَ الْعِتْقَ بِأَدَائِهِ بِأَنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْتُ إلَيْك فَهُوَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَكَاتَبَ الْمَوْلَى ثُمَّ أَدَّى الْحُرُّ الْأَلْفَ يَعْتِقُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَبِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْكِتَابَةِ الْمَزْبُورَةِ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ صِحَّةُ أَدَاءِ الْحُرِّ الْقَابِلِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَعْدُومٌ، وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ الْغَائِبِ فِيمَا يُصَيِّرُهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ، وَالْمَوْقُوفُ لَا حُكْمَ لَهُ.
(وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ) حِينَ بُلُوغِ الْكَلَامِ إلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْحُرِّ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (مُكَاتَبٌ)؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَتِهِ، وَقَبُولُهُ إجَازَةٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا قَبْلَ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَبِلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْحُرِّ فَلَا يَكُونُ حُكْمُ الْمُكَاتَبِ لِوُجُودِ الْحُرِّيَّةِ قِيلَ: إنْ قَالَ الْعَبْدُ: لَا أَقْبَلُهُ ثُمَّ أَدَّى الْقَابِلُ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ.
(وَإِنْ كَاتَبَ) الْمَوْلَى (عَبْدًا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ آخَرَ غَائِبٍ) بِأَنْ قَالَ الْحَاضِرُ لِمَوْلَاهُ: كَاتِبْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى نَفْسِي وَعَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ فَكَاتَبَهُمَا (فَقَبِلَ) الْعَبْدُ الْحَاضِرُ (صَحَّ) عَقْدُ الْكِتَابَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا وَيَتَوَقَّفَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاضِرَ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً فَجَعَلَ نَفْسَهُ أَصِيلًا وَالْغَائِبَ تَبَعًا فَيَصِحُّ كَأَمَةٍ كُوتِبَتْ دَخَلَ أَوْلَادُهَا تَبَعًا حَتَّى عَتَقُوا بِأَدَائِهَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ (وَقَبُولُ الْغَائِبِ وَرَدُّهُ لَغْوٌ) إذْ لَا يَتَوَقَّفُ فِي حَقِّهِ (وَيُؤْخَذُ الْحَاضِرُ بِكُلِّ الْبَدَلِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ الْبَدَلِ عَلَيْهِ (وَلَا يُؤْخَذُ الْغَائِبُ بِشَيْءٍ) مِنْ الْبَدَلِ لِكَوْنِ الْعَقْدِ نَافِذًا عَلَى الْحَاضِرِ، وَلَوْ اكْتَسَبَ الْغَائِبُ شَيْئًا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى أَوْ وَهَبَهُ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْحَاضِرَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَلَوْ أَعْتَقَ الْغَائِبَ سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْحَاضِرَ أَوْ مَاتَ سَقَطَتْ حِصَّةُ الْحَاضِرِ وَأَدَّى الْغَائِبُ حِصَّتَهُ حَالًا وَإِلَّا رُدَّ قِنًّا (وَأَيُّهُمَا) أَيْ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَهُمَا الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ (أَدَّى) بَدَلَ الْكِتَابَةِ (أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ) أَيْ عَلَى قَبُولِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهَا أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ يَنَالُ بِهِ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ عَلَيْهِ وَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ يُجْبِرُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْقَبُولِ لِحَاجَتِهِ إلَى اسْتِخْلَاصِ عَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ عَلَيْهِ (وَعَتَقَا) أَيْ الْحَاضِرُ، وَالْغَائِبُ جَمِيعًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهِمَا وَهُوَ أَدَاءُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ (وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ) بِمَا أَدَّى إلَى الْمَوْلَى مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ أَدَّى بِغَيْرِ أَمْرِهِ.
(وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُمَا مَعًا) أَيْ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً إنْ أَدَّيَا عَتَقَا، وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا إلَى الرِّقِّ وَلَا يَعْتِقَانِ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَاحِدَةٌ، وَشَرْطُهَا فِيهِمَا مُعْتَبَرٌ وَأَيُّهُمَا أَدَّى أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَعَتَقَا (وَلَا يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ)؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا) أَيْ الْعَبْدَانِ (لِاثْنَيْنِ) أَيْ لِرَجُلَيْنِ وَكَاتَبَاهُمَا كَذَلِكَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبٌ لِحِصَّتِهِ يَعْتِقُ بِأَدَائِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السَّيِّدَيْنِ إنَّمَا اسْتَوْجَبَ الْبَدَلَ عَلَى مَمْلُوكِهِ وَيُعْتَبَرُ شَرْطُهُ فِي مَمْلُوكِهِ لَا فِي مَمْلُوكِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَاهُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَلَوْ عَجَزَ أَحَدُهُمَا) فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَرُدَّ إلَى الرِّقِّ أَمَّا بِتَصَالُحِهِمَا أَوْ رَدَّهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَعْلَمْ الْآخَرُ (ثُمَّ أَدَّى الْآخَرُ الْكُلَّ عَتَقَا) جَمِيعًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَقِيبَ الْأُولَى لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَنْسَبَ تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ كَاتَبَتْ أَمَةٌ عَنْهَا وَعَنْ) وَلَدَيْنِ (صَغِيرَيْنِ لَهَا جَازَ) الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا إذَا قَبِلَتْ الْأَمَةُ (وَأَيُّ) وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ الْأُمُّ، وَالِابْنَانِ (أَدَّى أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَعَتَقُوا)؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ نَفْسَهَا أَصْلًا فِي الْكِتَابَةِ وَأَوْلَادَهَا تَبَعًا وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْأُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِمَا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِحِصَّتِهِمَا يُؤَدِّيَانِهِ فِي الْحَالِ فَيُطَالِبُ الْمَوْلَى الْأُمَّ بِالْبَدَلِ دُونَهُمَا، وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا سَقَطَ عَنْهَا حِصَّتُهُمَا وَعَلَيْهَا الْبَاقِي عَلَى نُجُومِهَا كَمَا مَرَّ فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ (وَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ) بِشَيْءٍ لِكَوْنِهِ مُنْتَفِعًا بِالْأَدَاءِ وَمُتَبَرِّعًا فِي حَقِّ الْغَيْرِ.